التونسيون أمام المرآة
الأحد، 08 أبريل 2018 06:20 ص

التونسيون أمام المرآة
سألتُ صاحبي الصامت وسط كل هذا الضجيج التونسي، عن أصل «الأزمة التونسية» العامة بين الحاكم والمحكوم، حيث لم يعد للأول سلطة على الثاني، ولا للثاني أمل في الأول، وإن كان مربط الفرس سياسياً أم اقتصادياً أم أمنياً أم سواه؟ فاجأني الصاحب بأن لا هذا ولا ذلك ولا ذاك، فأمر الأزمة يتلخص في ضياع الصورة وتشتتها، بما يخلق في كل النفوس -بلا استثناء- ضيقاً، كما الضيق الذي يصيب البحار عندما تتعطل بوصلته، وينسد أمام بصره الأفق.
والواقع أن صاحبي لم يكن يشطح بالخيال، لأن أصل الحكاية في تونس بدا من صورة «الربيع»، التي استعارها العرب والعجم والإفرنج للتهليل بما حدث في 14 يناير 2011، وصورة الربيع في مخيال هؤلاء شبه معدومة، حتى تحولت لدى البعض إلى صناعة صورة مرغوبة، ولدى المتلقين تطلع إلى صورة بديعة ذات رواج واسع، أي إلى فانتازيا تشحذ الفأل الحسن وتدوّر الزوايا الحادة لحياة الناس في تونس، وعلى بعد آلاف الكيلومترات منها.
تماماً كما فعلت صورة «ربيع براغ» في سنة 1968 حتى حدوث «الثورة المخملية» وانهيار النظام التشيكي في 1989، ومن «الربيع» إلى «المخمل» اجتاحت الصورتان الناعمتان المخيال الثقافي العالمي، وتجلى الاجتياح في حركة مايو 1968، والحركة الطلابية البولندية، وأعمال الأديب «ميلان كونديرا»، ثم ظل العالم لاهثاً وراء صورة زاهية جديدة، حتى جاء «الربيع العربي» من تونس، وبث كل ألوانه التي نراها اليوم رأي العين.
حتى تكون الصورة حية في النص الأدبي أو في الفعل السياسي، لها ما لها من مفعول وتأثير، لا بد لها من خيال يخرجها من النمطية والتقرير والمباشرة، يحلِّق بالمتلقي -قارئاً أو محكوماً- في الآفاق الرحبة، ويخلق له دنيا جديدة، إذ نجد ذلك مع رسم الصورة البطولية في الأسطورة الشعبية، بإسباغ هالات من القدسية، والسمات الخارقة على بطل الأسطورة، سواء في اليونان «الإلياذة والأوديسة»، أو في الملاحم الشعبية العربية التي تصور البطل وكأنه ملاك سماوي لا يُهزم ولا يخطئ، منذ أبوزيد الهلالي وسيف بن ذي يزن، أو في سيرة أسطورة بطل الستينيات «تشي جيفارا»، وهي صور ما زال يعيش عليها التونسيون إلى اليوم، لكنهم لا يجدونها، فيستنجدون بصورة زعيمهم الحبيب بورقيبة، حتى هرعوا للبحث عنها عندما ادلهمت السماء سنة 2014، في شخص الباجي قائد السبسي لمجرد أنه كان قد عمل معه!
التونسيون ورثوا في جيناتهم الثقافية رمزية صورة الحاكم «ولي الأمر»، التي منها يستمدون القوة في ردهات ضعفهم، وذلك بالتحديد ما دفع النائب في البرلمان علي بنور هذا الأسبوع، لصدم الجميع بتدخله تحت قبة البرلمان، قائلاً بالحرف: «أتمنى سماع البيان رقم واحد في تونس»، وهو ليس الوحيد الذي يتمنى ذلك في الجهر أو في السر!
قد يكون النائب علي بنور -وقد كان ممثلاً مسرحياً عادياً- وغيره من الذين يتمنون انقلاباً عسكرياً في تونس ينهي حالة «الجدب السياسي»، يتناسون أنهم وصلوا إلى مواقعهم تلك بسبب الحرية والديمقراطية وليس بـ «فرمان» عسكري، لكنهم على أي حال، يعبّرون -وهم في حالة تداعٍ حر- عن ظمأ تونسي شديد لصورة رجل الدولة الذي يفرض القانون والنظام، وهي نفس صورة «العادل المستبد» التي دعا إليها جمال الدين الأفغاني في قديم الزمان، لكن الأصح منها -بالتأكيد- ما جاء في الحديث الشريف: «كيفما تكونوا يولى عليكم»، فتلك هي صورة المرآة التي لا تظلم أبداً من يقف أمامها!;
والواقع أن صاحبي لم يكن يشطح بالخيال، لأن أصل الحكاية في تونس بدا من صورة «الربيع»، التي استعارها العرب والعجم والإفرنج للتهليل بما حدث في 14 يناير 2011، وصورة الربيع في مخيال هؤلاء شبه معدومة، حتى تحولت لدى البعض إلى صناعة صورة مرغوبة، ولدى المتلقين تطلع إلى صورة بديعة ذات رواج واسع، أي إلى فانتازيا تشحذ الفأل الحسن وتدوّر الزوايا الحادة لحياة الناس في تونس، وعلى بعد آلاف الكيلومترات منها.
تماماً كما فعلت صورة «ربيع براغ» في سنة 1968 حتى حدوث «الثورة المخملية» وانهيار النظام التشيكي في 1989، ومن «الربيع» إلى «المخمل» اجتاحت الصورتان الناعمتان المخيال الثقافي العالمي، وتجلى الاجتياح في حركة مايو 1968، والحركة الطلابية البولندية، وأعمال الأديب «ميلان كونديرا»، ثم ظل العالم لاهثاً وراء صورة زاهية جديدة، حتى جاء «الربيع العربي» من تونس، وبث كل ألوانه التي نراها اليوم رأي العين.
حتى تكون الصورة حية في النص الأدبي أو في الفعل السياسي، لها ما لها من مفعول وتأثير، لا بد لها من خيال يخرجها من النمطية والتقرير والمباشرة، يحلِّق بالمتلقي -قارئاً أو محكوماً- في الآفاق الرحبة، ويخلق له دنيا جديدة، إذ نجد ذلك مع رسم الصورة البطولية في الأسطورة الشعبية، بإسباغ هالات من القدسية، والسمات الخارقة على بطل الأسطورة، سواء في اليونان «الإلياذة والأوديسة»، أو في الملاحم الشعبية العربية التي تصور البطل وكأنه ملاك سماوي لا يُهزم ولا يخطئ، منذ أبوزيد الهلالي وسيف بن ذي يزن، أو في سيرة أسطورة بطل الستينيات «تشي جيفارا»، وهي صور ما زال يعيش عليها التونسيون إلى اليوم، لكنهم لا يجدونها، فيستنجدون بصورة زعيمهم الحبيب بورقيبة، حتى هرعوا للبحث عنها عندما ادلهمت السماء سنة 2014، في شخص الباجي قائد السبسي لمجرد أنه كان قد عمل معه!
التونسيون ورثوا في جيناتهم الثقافية رمزية صورة الحاكم «ولي الأمر»، التي منها يستمدون القوة في ردهات ضعفهم، وذلك بالتحديد ما دفع النائب في البرلمان علي بنور هذا الأسبوع، لصدم الجميع بتدخله تحت قبة البرلمان، قائلاً بالحرف: «أتمنى سماع البيان رقم واحد في تونس»، وهو ليس الوحيد الذي يتمنى ذلك في الجهر أو في السر!
قد يكون النائب علي بنور -وقد كان ممثلاً مسرحياً عادياً- وغيره من الذين يتمنون انقلاباً عسكرياً في تونس ينهي حالة «الجدب السياسي»، يتناسون أنهم وصلوا إلى مواقعهم تلك بسبب الحرية والديمقراطية وليس بـ «فرمان» عسكري، لكنهم على أي حال، يعبّرون -وهم في حالة تداعٍ حر- عن ظمأ تونسي شديد لصورة رجل الدولة الذي يفرض القانون والنظام، وهي نفس صورة «العادل المستبد» التي دعا إليها جمال الدين الأفغاني في قديم الزمان، لكن الأصح منها -بالتأكيد- ما جاء في الحديث الشريف: «كيفما تكونوا يولى عليكم»، فتلك هي صورة المرآة التي لا تظلم أبداً من يقف أمامها!;
لا يوجد تعليقات على الخبر.