عناقيد جانفي الخاوية (2)...
الأحد، 14 يناير 2018 12:12 ص
85

عناقيد جانفي الخاوية (2)...
لم يجف مداد كلمات الأسبوع الماضي «عناقيد جانفي – يناير الخاوية» حتى صحت، ومحصلتها أن كل شهور يناير المقبلة في تونس، قتلها يناير 2011، فأصبح شهراً عادياً -لكنه غير رتيب- حتى اندلعت في تونس أحداث قربت كثيراً في الخيال التونسي من أحداث يناير 2011، التي انتهت بركوب الرئيس الأسبق لطائرته للتوجه نحو المملكة العربية السعودية، والتي لم يعد منها إلى اليوم... لكن أحداث الأسبوع الماضي تلك -على عنفها- لم تصمد سوى ليلتين بالحساب وبالعد، ثم انطفأت كنار التبن...
هاتفني بعض الزملاء في لهب الأحداث ممازحين: «منذ نبوءتك تلك، ومنذ تحدثت عن يناير البارد، اشتعلت الطرقات في تونس.. وها نحن لا ننام الليل بسبب لهيب عجلات السيارات التي يقطعون بها الطرقات»... فقد اشتعلت النار مساء الثلاثاء، واستعرت مساء الأربعاء، ثم خبت بسرعة نار التبن مساء الخميس وانتحرت مساء الجمعة...
لم أكن أضرب في الرمل، ولا أقرأ في الغيب، وإنما كان الأمر استقراء لمنطق التاريخ .. وكنت أقول بالحرف: «ليس من باب الصدفة وحدها أن يكون تاريخ 18 يناير من سنة 1952 هو يوم انفجار الثورة التونسية في وجه المستعمر الفرنسي، حتى أصبح بعد الاستقلال عيداً وطنياً رسمياً بمسمى «عيد الثورة» .. ومنه إلى 14 يناير 2011 يوم سقط نظام بن علي، وأصبح كثيرون يسمونه أيضاً بـ «عيد الثورة» .. مروراً بأحداث يناير الدامية في سنة 1984، عندما ترنح نظام بورقيبة بسبب «ثورة الخبز» .. أحداث ومنعرجات تاريخية تضغط بقوة على الخيال الشعبي والسياسي التونسي، لتجعل من هذا الشهر طالع شؤم تتطير منه الحكومات.. وفألاً حسناً تتبرك به المعارضات ... ولذلك اختار الرئيس المؤقت السابق، والمعارض الحالي المنصف المرزوقي يوم 27 يناير المقبل، لحشد أنصاره أمام البرلمان.. واختار اليسار المعارض منتصف الشهر ذاته لتحريك الجماهير الشعبية ضد قرارات الحكومة «اللاشعبية» .. ولذلك أيضاً تواعد الرئيس الباجي قائد السبسي مع مكونات الموقّعين على «وثيقة قرطاج»، الذين التقاهم يوم الجمعة الماضي للقاء جديد قبل نهاية الشهر ذاته»..
وقد شبه لهم..
في التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة، هناك كثير من المراهقة ومن قلة النضج، من هذا الطرف ومن ذاك...حكومة ومعارضة.. لكن بمقياس النسبة والتناسب، فإن المتقدمين في درجة قلة النضج هم أغلبية من اليسار التونسي، رغم قدمه في التاريخ –ويا للمفارقة-.. ورغم أن اليسار هو أكثر من أشعّ على العالم بنظريات السياسة الصحيحة .. –ويا للمفارقة الأخرى- لكنه ظل كالزوج المخدوع، آخر من يعلم، وهو يظن بالتأكيد أنه أكثر الناس علماً!
لذلك خرج اليسار من أحداث اليومين الأسودين في تونس كالخارج من المولد بلا حمص، بل أهدى للحكومة نجاحاً أمنياً وسياسياً لم تكن لتحلم به، عندما لم تقرر حظر التجول، وعندما استطاعت أن تبرز المحتجين ليلاً، كقطّاع طرق مبتدئين، وآفّاقين لا علاقة لسيوفهم ولسلاسلهم المعدنية بأكثر من طمع في كسر جهاز السحب لبنك، يعتقدون أنه «شقاقة» من طين فيها أموال، يمكن سحبها بسهولة سحب البطاقة الإلكترونية..!
قد لا تكون لفصائل اليسار السياسي التونسي علاقة بمثل هذه الممارسات المتخلفة ذهنياً، لكنها استساغت الأمر، وكانت أول المحرّضين على التظاهر ليلاً، وكأن النهار لا يكفي لإعلاء صوت الاحتجاج المشروع على قانون الزيادة في الأسعار الذي جاء به قانون المالية، الذي صوّت عليه نواب اليسار في البرلمان...! لكن من كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر...
في تونس «نخبة الأمة نكبتها» كما يردد كثيرون، ولا بد لنخبة اليسار أن تعقل، وأن تتعلم من درس يناير 2011 .
ليس معنى ذلك أن اليمين التونسي الحاكم، في حل من مسؤولية ما حدث الأسبوع الماضي، فقد وجه له الشارع رسالة قوية، مؤداها أن هناك خللاً هيكلياً عجزت «حكومات الثورة المتعاقبة» عن إصلاحه.. وأن هناك «حفراً سوداء» في البلاد تعيش بلا أمل في البياض.. وأن «اليمين المتعقل» ليس بأفضل كثيراً من «اليسار النزق».;
هاتفني بعض الزملاء في لهب الأحداث ممازحين: «منذ نبوءتك تلك، ومنذ تحدثت عن يناير البارد، اشتعلت الطرقات في تونس.. وها نحن لا ننام الليل بسبب لهيب عجلات السيارات التي يقطعون بها الطرقات»... فقد اشتعلت النار مساء الثلاثاء، واستعرت مساء الأربعاء، ثم خبت بسرعة نار التبن مساء الخميس وانتحرت مساء الجمعة...
لم أكن أضرب في الرمل، ولا أقرأ في الغيب، وإنما كان الأمر استقراء لمنطق التاريخ .. وكنت أقول بالحرف: «ليس من باب الصدفة وحدها أن يكون تاريخ 18 يناير من سنة 1952 هو يوم انفجار الثورة التونسية في وجه المستعمر الفرنسي، حتى أصبح بعد الاستقلال عيداً وطنياً رسمياً بمسمى «عيد الثورة» .. ومنه إلى 14 يناير 2011 يوم سقط نظام بن علي، وأصبح كثيرون يسمونه أيضاً بـ «عيد الثورة» .. مروراً بأحداث يناير الدامية في سنة 1984، عندما ترنح نظام بورقيبة بسبب «ثورة الخبز» .. أحداث ومنعرجات تاريخية تضغط بقوة على الخيال الشعبي والسياسي التونسي، لتجعل من هذا الشهر طالع شؤم تتطير منه الحكومات.. وفألاً حسناً تتبرك به المعارضات ... ولذلك اختار الرئيس المؤقت السابق، والمعارض الحالي المنصف المرزوقي يوم 27 يناير المقبل، لحشد أنصاره أمام البرلمان.. واختار اليسار المعارض منتصف الشهر ذاته لتحريك الجماهير الشعبية ضد قرارات الحكومة «اللاشعبية» .. ولذلك أيضاً تواعد الرئيس الباجي قائد السبسي مع مكونات الموقّعين على «وثيقة قرطاج»، الذين التقاهم يوم الجمعة الماضي للقاء جديد قبل نهاية الشهر ذاته»..
وقد شبه لهم..
في التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة، هناك كثير من المراهقة ومن قلة النضج، من هذا الطرف ومن ذاك...حكومة ومعارضة.. لكن بمقياس النسبة والتناسب، فإن المتقدمين في درجة قلة النضج هم أغلبية من اليسار التونسي، رغم قدمه في التاريخ –ويا للمفارقة-.. ورغم أن اليسار هو أكثر من أشعّ على العالم بنظريات السياسة الصحيحة .. –ويا للمفارقة الأخرى- لكنه ظل كالزوج المخدوع، آخر من يعلم، وهو يظن بالتأكيد أنه أكثر الناس علماً!
لذلك خرج اليسار من أحداث اليومين الأسودين في تونس كالخارج من المولد بلا حمص، بل أهدى للحكومة نجاحاً أمنياً وسياسياً لم تكن لتحلم به، عندما لم تقرر حظر التجول، وعندما استطاعت أن تبرز المحتجين ليلاً، كقطّاع طرق مبتدئين، وآفّاقين لا علاقة لسيوفهم ولسلاسلهم المعدنية بأكثر من طمع في كسر جهاز السحب لبنك، يعتقدون أنه «شقاقة» من طين فيها أموال، يمكن سحبها بسهولة سحب البطاقة الإلكترونية..!
قد لا تكون لفصائل اليسار السياسي التونسي علاقة بمثل هذه الممارسات المتخلفة ذهنياً، لكنها استساغت الأمر، وكانت أول المحرّضين على التظاهر ليلاً، وكأن النهار لا يكفي لإعلاء صوت الاحتجاج المشروع على قانون الزيادة في الأسعار الذي جاء به قانون المالية، الذي صوّت عليه نواب اليسار في البرلمان...! لكن من كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر...
في تونس «نخبة الأمة نكبتها» كما يردد كثيرون، ولا بد لنخبة اليسار أن تعقل، وأن تتعلم من درس يناير 2011 .
ليس معنى ذلك أن اليمين التونسي الحاكم، في حل من مسؤولية ما حدث الأسبوع الماضي، فقد وجه له الشارع رسالة قوية، مؤداها أن هناك خللاً هيكلياً عجزت «حكومات الثورة المتعاقبة» عن إصلاحه.. وأن هناك «حفراً سوداء» في البلاد تعيش بلا أمل في البياض.. وأن «اليمين المتعقل» ليس بأفضل كثيراً من «اليسار النزق».;
لا يوجد تعليقات على الخبر.